الحديث الأول
1- عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله يقول : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) . رواه البخاري ومسلم
---------------------------------------------------------
معاني الكلمات :
إنما : أداة حصر يؤتى بها للحصر . بالنيات : جمع نية : وهي عزم القلب على فعل الشيء .
هجرته : الهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام . دنيا : حقيقتها ما على الأرض من الهواء والجو مما قبل قيام الساعة .
الفوائــد :
هذا الحديث من الأحاديث الهامة التي عليها مدار الإسلام .
قال أبو عبد الله : ” ليس في أخبار النبي أجمع وأغنى فائدة من هذا الحديث “ .
وقال الشافعي : ” يدخل في سبعين باباً من أبواب العلم “ .
ولأهميته ابتدأ به الإمام البخاري صحيحه .
وبدأ به الإمام النووي في كتبه :
الأذكـــــــــــــــــــــار __ ورياض الصالحين ___ والأربعين نوويــة .
اختلف العلماء في معنى : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) . هل هما جملتان بمعنى واحد أو مختلفتان ؟
والراجــــــــح أن الأولى غير الثانية :
الأولى ( إنما الأعمال بالنيات ) سبب ، بيّن النبي فيها أن كل عمل لا بد فيه من نية ، كل عمل يعمله الإنسان وهو عاقل مختار لا بد فيه من نية ، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملاً بغير نية .
الثانية ( وإنما لكل امرىء ما نوى ) نتيجـة هذا العمل :
إذا نويت هذا العمل لله والدار الآخرة حصل لك ذلك ، وإذا نويت الدنيا فليس لك إلا ما نويت .
وجوب إخلاص النيـة لله ، لأنه ليس له من عمله إلا ما كان خالصاً لله .
وقد جاءت نصوص تبين أن العمل لا يقبل إلا ما كان لله .
قال تعالى : ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الديــن حنفاء .. ﴾ .
قال : ( إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً ) رواه النسائي .
وقال : ( بشـــر هذه الأمة بالتمكين والرفعــــة ، من عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ) . رواه أحمد
والإخلاص : تصفية العمل عن ملاحظــة المخلوقين .
من أقوال السلف في الإخلاص
قال بعض السلف : ” المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته “ .
قال سهل بن عبد الله : ” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “ .
وقال يوسف بن الحسين : ” أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر “ .
وقال الربيع بن خثيم : كل ما لا يراد به وجه الله يضمحــل .
وقال أبو سليمان الداراني : إذا أخلص العبد ، انقطعــت عنه كثرة الوساوس والرياء .
وقال نعيم بن حماد : ضرب السياط أهون علينا من النيــة الصالحــة .
وقال يحيي بن أبي كثير : تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل .
وقال يوسف بن أسباط : تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهــاد .
وقال مكحول : ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيــع الحكمة من قلبه ولسانــه .
وقال ابن القيم : العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعــه .
نماذج من إخلاص السلف
ما رئي الربيع متطوعاً في مسجد قومه إلا مرة واحدة .
وكان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم ، ولعله إنما بات قائماً على أطرافــه ، وكل ذلك ليخفي عليهم العمل .
وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي فإذا دخل عليه الداخل نام على فراشــه .
وحسان بن أبي سنان تقول عنه زوجته : كان يجيء فيدخل في فراشي ، ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها ، فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج ، ثم يقوم فيصلي .
قال أبو حمزة الثمالي : كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل ، فيتصدق به ويقول : إن صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل .
وعن محمد بن إسحاق : كان ناس من أهل المدينــة يعيشون ، لا يدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل .
وأقام عمرو بن قيس عشرين سنة صائماً ، ما يعلم به أهله .
قال ابن الجوزي : كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه .
وقال محمد بن واسع : إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأتـــه لا تعلم به .
وقال الشافعي : وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم _ يقصد علمه _ على أن لا ينسب إليّ حرف منه
أن الإخلاص شرط لقبول العمــل ، فالعمل لا يقبل إلا بشرطين :
الأول : أن يكون خالصاً .
لحديث الباب : ( ... وإنما لكل امرىء ما نوى ... ) .
الثاني : أن يكون موافقاً للسنة .
لحديث عائشة ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعــة .
قال ابن تيمية : ” التلفظ بالنية بدعــة لم يفعله الرسول ولا أصحابــه “ .
قال بعض العلماء :
حديث ( إنما الأعمال بالنيات ........ ) ميزان للأعمال الباطنــة .
وحديث ( من أحدث في أمرنا ....... ) ميزان للأعمال الظاهرة .
ضرب النبي مثالاً للعمل الذي يراد به وجه الله والذي يراد به غير الله ، وذلك بالهجرة :
ــ بعض الناس يهاجر ويدع بلده لله تعالى وابتغاء مرضاتــه فهذا هجرته لله ويؤجر عليها كاملاً . ويكون أدرك ما نوى .
ــ وبعض الناس يهاجر لأغراض دنيوية ، كمن هاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام من أجل المال ، أو من أجل امرأة يتزوجهـا ، فهذا هاجر لكنه لم يهاجر لله ، ولهذا قال الرسول : فهجرته إلى ما هاجر إليه .
والهجرة : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .
وحكمها ينقسم إلى قسمين :
واجبة : إذا كان الشخص لا يستطيع أن يقيـــم دينــه .
مستحبة : إذا كان الشخص يستطيع أن يقيم دينــه .
وهي باقية إلى قيام الساعــة :
قال : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبـة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) . رواه أبو داود
وقعت الهجرة في الإسلام على أنــــــــــــواع :
الأولى : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .
كما في الهجرة من مكة إلى المدينـــة .
الثانية : الانتقال من بلد الخوف إلى بلد الأمـن .
كما في الهجرة إلى الحبشة .
الثالثة : ترك ما نهى الله عنــه .
كما في الحديث ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) . رواه البخاري
التحذير من الدنيا وفتـنـتهـا .
قال تعالى : ﴿ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكـم الحياة الدنيا ﴾ .
وقال : ( إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا ) . متفق عليه
قال ابن الحنفية : من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا .
قيل لعلي : صف لنا الدنيا ؟ فقال : ما أصف من دار ؟ أولها عناء ، وآخرها فناء ، حلالها حساب ، وحرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقــر فيها حَزن .
قال ابن القيم : الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج ، إنما تخطب الأزواج ليستحسنــوا إليها ، فلا ترضى إلا بالدياثـة
وقال : الدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها ، فكيف تعدو خلفهــا .
وقال : على قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة .
وقال بعض الزهاد : دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها .
وقال الحسن البصري : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره .
قال الشاعر في وصف الدنيا :
أحلامُ نومٍ أو كظلٍ زائلٍ إن اللبيبَ بمثلها لا يخـــــدع .
وقال آخر :
الدنيا ســـــاعــــهْ فاجعلها طـــاعــهْ
والنفس طماعــهْ عوّدهــا القناعــــهْ .
التحذير من فتــنــة النســـــــــــــاء لقوله ( أو امرأة .. ) وخصها بالذكر لشدة الافــتــتــان بها .
كما في الحديث : ( .... فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) . رواه مسلم
التحذير من إرادة الدنيا بعمــل الآخــرة .
التحذير من السفر إلى بلاد الكفر .